فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ}
ذَكَرَ صفةَ المهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصفتهم أنهم آمنوا ثم هاجروا مع الرسول صلوات الله عليه وسلامه، ثم {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} هؤلاء هم المهاجرون.
أما الذين آووا فهم الأنصار؛ أووا الرسول عليه السلام والمؤمنين.
فهذان الفريقان بعضهم أولياء بعض في النصرة والدين.
وأما الذين آمنوا ولكن لم يهاجروا فليست لهم هذه الموالاة إلى أن يهاجروا، وإنْ استعانوا بكم فعليكم نصرهم.
{إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ} وهم المُعاهِدون معكم.
وكمالُ الهجرةِ مفارقَةُ الأخلاق الذميمة، وهجران النَّفْس في تَرْكِ إجابتها إلى ما تدعو إليه من شهواتها. ومن ذلك هجران إخوان السوء، والتباعد عن الأوطان التي باشر العبدُ فيها الزَّلة، ثم الهجرة من أوطان الحظوظ إلى أوطان رضاء الحق.
وأما قوله: {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوا} فهم الذين يؤثرون إخوانَهم على أَنْفُسِهم ولو كان بهم خصاصة، عَوَامُّ هؤلاء في الأمور الدنيوية، وخواصُّهم في الكرائم في الآخرة، وخاصُّ الخاصِّ في كل ما يصحُّ به الإثبات من سنِّي الأحوال إلى ما لا يدرك الوهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (73):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين شرط موالاة المسلم، بين مولاة الكافر وما يجب من مناظرتهم ومباراتهم فيها، وأنه لا شرط لها غير مطلق الكفر فإنه وإن اختلفت أنواعه وتباعدت أنحاؤه- يجمعه عداوة الله وولاية الشيطان فقال: {والذين كفروا} أي أوجدوا هذا الوصف على أي حال كانوا فيه {بعضهم أولياء بعض} أي في الميراث والنصرة وغيرهما، وهو خبر محض مشير إلى نهي المسلم عن موالاتهم، وأما الذي مضى في حق المؤمنين فهو أمر في صورة الخبر وصيغته، يعني أن في كل من الكفار قوة الموالاة للآخر عليكم والميل العظيم الحاث لهم على المسارعة في ذلك وإن اشتدت عداوة بعضهم لبعض لأنكم حزب وهم حزب، يجمعهم داعي الشيطان بوصف الكفران كما يجمعكم داعي الرحمن بوصف الإيمان، قال أبو حيان: كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يعادي أهل الكتاب منهم قريشًا ويتربصون بهم الدوائر، فصاروا بعد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يوالي بعضًا وإلبًا واحدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وما ذكره مذكور في السير مشهور عند أهل الأثر {إلا تفعلوه} أي مثله من تولي المؤمنين ومعاداة الكافرين كما يفعل الكفار بالتعاضد والتعاون بالنفس والمال كما أرصدوا مال العير الذي فاتكم حتى استعانوا به على قتالكم في أحد، فاللائق بكم أن تكونوا أعظم منهم في ذلك، لأنهم يريدون بذلك رم واهي دنياهم الفانية وأنتم تبنون آخرتكم الباقية، وداعيكم ولي غنى وداعيهم عدو دنى فضلًا عن أن تنزلوا إلى حضيض التنازع في الغنائم {تكن فتنة} أي عظيمة {في الأرض} اي خلطة مميلة للمقاصد عن وجوهها {وفساد كبير} أي ينشأ عن تلك الفتنة، والكبير ناظر إلى العظم، وقرئ شاذًا بالمثلثة فيكون عظمة حينئذ مخصوصًا بالأنواع، وبيان الفساد أنه إذا قارب المؤمن الكافر والكافر المؤمن وتناصروا أو ترك المؤمنون التناصر فيما بينهم انخّل النظام فاختل كل من النقض والإبرام، فاختلف الكلام فتباعدت القلوب، فتزايدت الكروب، فالواجب عليكم أن تكونوا إلبًا واحدًا ويدًا واحدة في الموالاة وتقاطعوا الكفار بكل اعتبار ليقوم أمركم وتطيب حياتكم، وتصلح غاية الصلاح دنياكم وآخرتكم، والآية شاملة لكل ما يسمى توليًا حتى في الإرث وقتال الكفار ومدافعة المسلمين بالأمر والإنكار، ولما ترك بعض العلماء إعانة بعض فئة حصل ما خوف الله تعالى منه من الفتنة والفساد حتى صار الأمر إلى ما ترى من علو المفسدين وضعف أهل الدين، فالأمر بالمعروف فيهم في غاية الذل والغربة، يرد عليه أدنى الناس فلا يجد له ناصرًا، ويجد ذلك الآخر له على الرد أعوانًا كثيرة، وصار أحسن الناس حالًا مع الأمراء وأعظمهم له محبة من يقنع بلومه على فعله ظنًا منه أن ذلك شفقة عليه- والله المستعان. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} فيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن هذا الترتيب الذي اعتبره الله في هذه الآية في غاية الحسن لأنه ذكر هاهنا أقسامًا ثلاثة: فالأول: المؤمنون من المهاجرين والأنصار وهم أفضل الناس وبين أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضًا.
والقسم الثاني: المؤمنون الذين لم يهاجروا فهؤلاء بسبب إيمانهم لهم فضل وكرامة وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة فوجب أن يكون حكمهم حكمًا متوسطًا بين الإجلال والإذلال وذلك هو أن الولاية المثبتة للقسم الأول، تكون منفية عن هذا القسم، إلا أنهم يكونون بحيث لو استنصروا المؤمنين واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم.
فهذا الحكم متوسط بين الإجلال والإذلال.
وأما الكفار فليس لهم ألبتة ما يوجب شيئًا من أسباب الفضيلة.
فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصلة بوجه من الوجوه، فظهر أن هذا التريب في غاية الحسن.
المسألة الثانية:
قال بعض العلماء: قوله: {والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} يدل على أن الكفار في الموارثة مع اختلاف مللهم كأهل ملة واحدة، فالمجوسي يرث الوثني، والنصراني يرث المجوسي، لأن الله تعالى قال: {والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.
واعلم أن هذا الكلام إنما يستقيم إذا حملنا الولاية على الإرث وقد سبق القول فيه، بل الحق أن يقال: إن كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود فلما ظهرت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تناصروا وتعاونوا على إيذائه ومحاربته، فكان المراد من الآية ذلك.
وتمام التحقيق فيه أن الجنسية علة الضم وشبيه الشيء منجذب إليه، والمشركون واليهود والنصارى لما اشتركوا في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم صارت هذه الجهة موجبة لانضمام بعضهم إلى بعض وقرب بعضهم من بعض وذلك يدل على أنهم ما أقدموا على تلك العداوة لأجل الدين، لأن كل واحد منهم كان في نهاية الإنكار لدين صاحبه، بل كان ذلك من أدل الدلائل على أن تلك العداوة لمحض الحسد والبغي والعناد.
ثم إنه تعالى لما بين هذه الأحكام قال: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} والمعنى: إن لم تفعلوا ما أمرتكم به في هذه التفاصيل المذكورة المتقدمة تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة، وبيان هذه الفتنة والفساد من وجوه:
الأول: أن المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم، وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم، فربما صارت تلك المخالطة سببًا لالتحاق المسلم بالكفار.
الثاني: أن المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم، فيصير ذلك سببًا لجراءة الكفار عليهم.
الثالث: أنه إذا كان جمع المسلمين كل يوم في الزيادة في العدة والعدة، صار ذلك سببًا لمزيد رغبتهم فيما هم فيه ورغبة المخالف في الالتحاق بهم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

.المسألة الأولى: [في قطع الولاية بين الكفار والمؤمنين]:

قَطَعَ اللَّهُ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، وَجَعَلَ الْكَافِرِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، وَجَعَلَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، يَتَنَاصَرُونَ بِدِينِهِمْ، وَيَتَعَامَلُونَ بِاعْتِقَادِهِمْ.
وَفِي الصَّحِيحِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَمِثْلِ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ».
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي الْمِيرَاثِ؛ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ».
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
وَقَالَ بَعْد هَذَا: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ}.

.المسألة الثانية: قَوْلُهُ: {إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ}:

يَعْنِي بِضَعْفِ الْإِيمَانِ وَغَلَبَةِ الْكُفْرِ؛ وَهَذِهِ هِيَ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ عَنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِيمَانِ، وَهِيَ الْهِجْرَةُ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} يعني في الميراث يرث بعضهم من بعض.
{إِلاَّ تَفْعَلُوهُ}، يعني إن لم تفعلوا، يعني ولاية المؤمنين للمؤمنين والكافرين للكافرين، {تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض}؛ يعني بلية {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}، يعني سفك الدماء، فافعلوا ما أمرتم واعرفوا أن الولاية في الدين.
وقال الضحاك: {والذين كَفَرُواْ} يعني كفار مكة وكفار ثقيف {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ}، يعني إن لم تطيعوا الله في قتل الفريقين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وقال مقاتل وفي الآية تقديم وتأخير، ومعناه وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر، {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} يعني إن لم تنصروهم على غير أهل عهدكم من المشركين، {تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض} يعني كفر وفساد كبير في الأرض. اهـ.

.قال الثعلبي:

{والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في العون والنصرة.
قال ابن عباس: نزلت في مواريث مشركي أهل العهد وقال السدّي: قالوا نورث ذوي أرحامنا من المشركين فنزلت هذه الآية، وقال ابن زيد: كان المهاجر والمؤمن الذي لم يهاجر لايتوارثان. وإن كانا أخوين مؤمنَين، وذلك لأن هذا الدين بهذا البلد كان قليلًا، حتى كان يوم الفتح وانقطعت الهجرة توارثوا بالأرحام حيثما كانوا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح إنّما هي الشهادة».
وقال قتادة: كان الرجل ينزل بين المسلمين والمشركين فيقول إنْ ظهر هؤلاء كنت معهم، وإنْ ظهر هؤلاء كنت معهم فأبى، الله عليهم ذلك، وأنزل فيه {والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فلا تراءى نار مسلم ونار مشرك إلا صاحب جزية مقرًّا بالخراج.
{إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} قال عبد الرحمن بن زيد: إلاّ تتركهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون، وقال ابن عباس: إلاّ تأخذوه في الميراث ما أمرتكم به، وقال ابن جريج: إلاّ تعاونوا وتناصروا، وقال ابن إسحاق: جعل الله سبحانه المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدين دون سواهم، وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض، ثم قال: إلاّ تفعلوه، هو أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمن.
{تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}. اهـ.